الثلاثاء، 17 نوفمبر 2009

الحيــــــــــــــــــــاء


الحيــــــــــــــــــــاء بقلم:ا/ سمية مشهور
يقول رسولنا الكريم: "لكل دين خُلُق، وخلق الإسلام الحياء" (رواه الإمام مالك وابن ماجة)، والحياء في الإسلام خلقٌ رفيعٌ من أعظم الصفات التي يتصف بها المسلم، وأكد الرسول- صلى الله عليه وسلم- أن الخيرَ كلَّ الخير في الاتصافِ به؛ حيث قال: "الحياء كله خير" (رواه مسلم) و"الحياء لا يأتي إلا بخير" (رواه البخاري
موقع الحياء من الأخلاق:
الحياء منبع الفضائل والقيم كلها، واستمد اسمه من الحياة، والحياء منه ما هو فطري خَلَقه الله في النفوس قبل أن تتلوث؛ كالحياء من كشفِ العورة، وفيه ما هو مكتسب؛ وذلك بتقويةِ الإيمان بالله وتعلُّم الآداب والأخلاق؛ فيمنع المؤمن من فعل المعاصي، وهذا هو المطلوب من الآباء والأمهات أن ينمُّوه في خلق أبنائهم.
فعلينا أن نُميِّز بين الحياء والخجل، فالخجل انكماشٌ وانطواء عن ملاقاةِ الآخرين، أو عدم قول أو فعل الحق في موضعه (جبن)، أما الحياء فهو الالتزام بمناهج الفضيلة والآداب الإسلامية؛ فليس من الخجل أن نعود الأبناء على توقير الكبير، وغض البصر، وكف الأذى عمَّا حرم الله؛ بل يحفظ لسانه وعينه وجميع بدنه عمَّا نهى الله عنه، فنستحي من الله بفعل المعاصي.
علينا أن ننمي خلق الحياء في أبنائنا منذ الصغر، وأن نلتزم به، فمثلاً لا ننهي الأبناء عن النظر المحرم ونحن نُطلق النظر.
نعود بناتنا على اللباس المحتشم حياءً قبل البلوغ؛ حتى تلتزم بالحجاب الصحيح عند البلوغ طاعةً.
الحياء من الله حق الحياء:
نُوضِّح لهم معنى حديث رسول الله- صلى الله عليه و سلم- لأصحابه: "استحوا من الله حقَّ الحياء، قلنا: إنا نستحي من الله يا رسول الله- والحمد لله- قال: ليس ذلك، الاستحياء من الله حق الحياء أن نحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومَن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا وآثر الآخرةَ عن الأولى، فمن فعل ذلك استحيا من الله حقَّ الحياء" (رواه الترمذي.
الرأس وما وعى:
العين (النظر إلى المحرمات)، الأذن (سماع المحرمات والغيبة والنميمة)، الحاجبان (النمص)، اللسان (تلفظ المنهي عنه)، العقل (لا نشغله بمعصية؛ بل بطاعة الله ونفع المسلمين)، الرقبة (عدم الالتفات في الصلاة، وعدم الانحناء لغير الله تعظيمًا.
البطن وما حوى:
القلب (نقي طاهر لا حسد ولا غلّ)، والبطن (تحري الحلال في المطعم)، الفرج.

ذكر الموت:
يدفع المؤمن للسمو بنفسه إلى الفضيلة، ويُعين على تقوى الله.
التخفف من زينة الدنيا:
فإنَّ مُتعَ الدنيا فانية، وقد تتسبب في الحرمان من مُتع الآخرة؛ إذا أخذها الإنسان من حرام، أو استخدمها في حرام، أو أسرف في الحلال، نسأل الله نعيم الآخرة.
كذلك نوضح لأبنائنا كيفية الحياء من الرسول- صلى الله عليه وسلم- وذلك باتباع سنته وكثرة الصلاة عليه.
أما حياؤنا من الملائكة فبعدم إيذائهم بمعاصينا، وعدم التعري دون عذر.
وأيضًا الحياء من الناس، فقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "مَن لا يستحي من الناس لا يستحي من الله" (رواه الطبراني)، فلا يجاهروا بالمعصية أمامهم، وما أكثر المعاصي التي يُجاهَر بها الآن، ولا يظهروا للناس ما حرَّم الله إظهاره، ونأسف لما نرى من ملابس النساء المخالفة للشرع، فلنتقِ الله في تربيةِ أبنائنا، ولنلزمهم بشرع الله، كما نربي أبناءنا أيضًا أن يراعوا الآداب والأعراف المشروعة مع الناس، وكف الأذى عنهم، واجتناب التقصير في حقهم.
من الجميل أن نُعلِّم أبناءنا الاستحياءَ من المخلوقات (نبات، حيوان، جماد) فإنهم يذكرون الله، وقد نغفل نحن عن ذكره، فعلينا ألا نستخدمها في معصية فإننا بذلك نؤذيها، فلا نستعمل التلفزيون في معصية، وكذلك الكراسي، وكل الأدوات حولنا، كما لا يصح أن نؤذيه بالكسر أو التشويه بدون سبب.
أما الحياء من النفس فلا يكون إلا بالعفة وصيانتها في الخلوات، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "ما كرهت أن يراه الناس منك فلا تفعله بنفسك إذا خلوت" (رواه ابن حبان)، فلا نرضى لأنفسنا بمعصيةِ الله ونصونها في الخلوات وعن الدنايا ومساوئ الأخلاق.
فإذا استطعنا توصيل هذه المعاني لأبنائنا، خاصةً الحياء من الله ومن الناس ومن النفس فسوف يكمل فيهم أسباب الخير وتبعد عنهم أسباب الشر.
ومن أمثلة الحياء:
1- فتاتا مدين (عدم مزاحمة الرجال
2- حياء السيدة عائشة من أن تخلغ ملا بسها بعد دفن سيدنا عمر بجوار زوجها وأبيها في حجرتها.
وإليكِ أيها المربى بعض مظاهر الحياء حتى نستطيع تحقيقها مع أبناءنا، فنبدأ بتحقيق ثلاثة أو أربعة مظاهر كل أسبوع ثم نزيد عليها مظاهر أخرى بعد تحقيق السابق، ومن هذه المظاهر:
1- الدعاء بأن يرزقنا الله الحياء. 2- استشعار معية الله في كل وقت.
3- تقوية الإيمان في القلب. 4- خفض الصوت عند الكلام وعند الضحك.
5- تحري الصدق. 6- غض البصر وعدم سماع ما حرَّم الله.
7- الاحتشام أمام المحارم والحجاب أمام غير المحارم.
8- عدم مزاحمة الشباب للفتيات في المواصلات والأسواق.
9- عدم شراء النساء لملابسهن الداخلية من الرجال والعكس.
10- الالتزام بالجدية في الحديث مع غير المحارم حتى في التليفون.
11- الانشغال بذكر الله. 12- عدم الأكل ومضغ اللبان في الطريق.
13- عدم المشاركة في حديثٍ يجرح الحياء وانتقاء الألفاظ المهذبة.
14- عدم تغيير الملابس أمام المحارم (حتى لو كانوا صغارًا وحتى أمام إخوتهم. 15- تحري الحلال في المأكل والمشرب واستشعار نعمة الله.
16- المواظبة على العبادات.
17- الصحبة الصالحة والبعد عن البيئة والصحبة الفاسدة.

وفي النهاية فإن تكلُّف الحياء مرةً بعد مرة ستألفه النفس ويصير طبعًا وسجيةً، وهذا يستلزم التحمل والصبر.
أعاننا الله وإياكم على تنميته في نفوسنا ونفوسِ أبنائنا، والله الموفق.